“The Social Dilemma” Movie Review
اطلقت شركة نيتفلكس الاسبوع الماضي فيلما من اخراج جاف اورلوسكي فيلم درامي وثائقي بعنوان the social dilemma جمع مهندسين و خبراء و أساتذة سبق وأن عملوا في شركات مثل قوقل و فايسبوك و تويتر ليشاركوا المشاهدين حقائق حول العالم الافتراضي هذا العالم الذي ظاهريا يبدو ورديا و لكن باطنه سواد حالك
يفتتح الفيلم بمقولة للكاتب المسرحي و مؤلف أنتيجون اليوناني سوفوكليس nothing vast enters the life of mortals without a curse و لعل مثل بداية مشرقة تبشر المشاهد بحقائق صادمة و رجة دماغية بسيطة مصحوبة بازمة وجودية طوال عرض هذا الفيلم .
تبدأ مجموعة من العملاء السابقين في شركات ضخمة مثل فايسبوك فايرفوكس و غيرها بتقديم نفسها عشوائيا حينها أيقن المشاهد انه أمام شهود عيان اصحاب خبرة لا محض ممثلين ويتحدث البعض منهم عن أسباب تخليه عن منصب يحلم به الملايين حول العالم ليجيب أحدهم لأسباب اخلاقية فهل باستطاعة احدهم حقا التفريط في مثل وظيفة لأسباب أخلاقية بحتة
لسائل أن يسأل ما هي العبرة التي يمكن استخلاصها من مثل فيلم وثائقي في نهاية المطاف يتيقن الجميع مخاطر الانترنت
ملاحظة جيدة و لكنها تبدو قد التحفت بثوب اللامبالاة فحين نتحدث عادة عن سرقة البيانات الشخصية يبدو الجميع غير مهتم فكان إنسان القرن الواحد و العشرين و بالرغم من الأرض التي زرعت ألغاما قد استسلم للقدر
هذه المبالاة في حقيقة الأمر ليست إلا جملة من المفاهيم الخاطئة و المعرفة السطحية بهذا العالم الافتراضي
1 . تأسيس عالمك
من المرعب أن يوقن المرء أن في نهاية الأمر قد شكلت الخوارزميات عالمنا الراهن ان تفكيره آراءه ومواقفه القضايا التي صار يتبناها هي خطة حبكتها الشركات الكبرى لتعيد برمجة العقول حتى يسهل زرع مفاهيم جديدة و يقع بما يعرف الـ normalization لمختلف النقاط .
اختر من القضايا ما شئت فكر بواحدة و حاول ان تطرح هذه الاسئلة
هل ايماني بهذه القضية نابع من ذاتي ام من الفكر الجماعي
هل احمل هذه القضية لاني اؤمن بها او فقط كونها من الترند
ماهي اول فيديو مقالب فيلم أو حوار قد صقل وجهة نظرك
لعل أول بذرات الفضول كات حين نقرت اصابعك على شبكة البحث قوقل ما معنى الموضوع الذي يهمك و بقيت ما يعادل الساعة من صفحة الى اخرى تتعرف عن المسالة ثم ستكون وجهة نظر معينة .
من جملة الحقائق الصادمة ان شبكات جوجل تمدك بحقائق معينة حسب الآراء التي تشاطرها فلنفرض انك مدافع شرس عن حقوق الإنسان ترفض العنف و التمييز و التفاوت الطبقي ففي بحثك عن التغيير المناخي ستكون المقالات المقدمة كلها عبارة عن التخوف الشديد من ال climate change و تهديده للعالم و تختلف نتائج البحث من شخص لآخر حسب الاهتمامات .
تقوم محركات البحث و مواقع التواصل الاجتماعي بجمع اكبر عدد ممكن من المعلومات حتى تلك التي تجهلها عن نفسك آراءك ايديولوجيتك ميولاتك ما تحبه وما تكرهه ما يثير سخطك و ما قد ينال اعجابك ثم تنسج لك شبكة خاصة من المعلومات و الآراء والتي من خلالها ستكون وجهة نظر .
2 . التحكم في الرأي العام
في ظل عصر المعلومات المتراكمة يجهل المرء مصداقية الخبر و الى أي درجة يمكن اعتباره معيار تقييم صارت بعض الشخصيات السياسية على سبيل المثال تجعل من منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي بوقا ينشر البروباغندا بل يحرض على العنف ونبذ الاخر و من هنا يتاثر المتابعون بارائه بل ستزداد قاعدته الجماهيرية من مناصري مثل فكرة و يعمم بذلك رأيه و ينشر المغالطات
هذا ميكانيزم القرن الواحد و العشرين حيث يتشكل تفكير المرء من رحم العالم الافتراضي بنقرة واحدة قد يتغير موقفك و تحمل هموم قضية لا تفقهها
3 . صعود كل من اليمين و اليسار المتطرف
تقوم خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي باحاطتك باشخاص يشبهونك يتشاركون نفس وجهات النظر و الايديولوجيات و المعتقد مما يعني انسجام و توافق على الاقل بنسبة 89% على هذا النحو سيكون الفايسبوك خاصتك مثلا عبارة على نفس الاراء دون القليل من الاختلافات حتى مما يخلق التعصب ونبذ اي وجهة نظر مخالفة هذا التعصب هو غرور اولا بموافقة جميع من حولك حول موضوع معين قد تظن أنك على صواب مما يجعل من تلك الثقة المكتسبة غرورا اعمى بصيرتك و خوف ثانيا نعم ايها القارىء العزيز التعصب هو خوف من الاخر المختلف من الموقف الآخر الذي قد يرحل بكل معتقداتك القديمة ليبين لك مدى ضعف حجتك وتيقن أنك سجين لوهم الصواب .
4 . تهديد الديمقراطيات
أصبح العبث بالانتخابات امرا عاديا في زمن مواقع التواصل الاجتماعي في سرقة البيانات أمر يسير و اعتمادها للتأثير في الرأي العام اسهل مما نتصور ففي أي انتخابات كانت تتفاقم حملات التشويه و الإشاعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ليصل المترشح الرئاسي الى مبتغاه فقد قام بضم اصوات جديدة بالقليل من البروباغندا و لعل الانتخابات الامريكية و حادثة cambridge analytica مثال دامغ يمكن اعتماده فهذه الفضيحة السياسية التي جراءها امتثل مارك زوكربيرغ مؤسس شركة فيسبوك أمام المحكمة العليا في الـ Capitol Hill حيث قامت Cambridge Analatica وهي شركة استشارات سياسية بسرقة حوالي 87 مليون من المعطيات الشخصية بالتعاون مع فايسبوك للتاثير في رأي الناخبين في الولايات المتحدة الامريكية وبقية العالم .
5 . نحن السلع و الشركات هي المشتري
إذا ظن العامة ان الاعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي هي مجرد خدمات و سلع معروضة للمستعمل لكي ينتقي ما يشاء فالعامة قد أخطأت نحن الاعلانات والشركات هي ذلك الرجل فاحش الثراء و الذي بالأحرى تتقاضى ملايين الدولارات مقابل بعض الثواني و بعضا من معطياتك الشخصية
هل سبق و ان اردتم مثلا اشتراء معطف أسود نقرتين محرك البحث معطف أسود شتاء 2020 بعد برهة من الزمن ستفتحون فايسبوك و في انتظاركم الاف الاعلانات و المنشورات على آخر صيحات المعاطف السوداء لعل و عسى ستظن انها محض صدفة و لكن الأمر يتكرر في كل مرة و اصبح مثيرا للشكوك
لا داعي للخوف المفرط فيه أو التفكير الذي سيضرني كاهلهم مرحبا بكم في عصر الرأسمالية المراقبة او كما تعرف بال Surveillance capitalism و هي عبارة على حصد الشركات للمعطيات الشخصية من ليكات و مشاركات و آخر ما بحثت عنه في قوقل كي تمدكم بالإعلانات التي تتماشى مع ذوقكم .
6 . المؤثرين Instagram Influencers
لعل الجميع يتفق ان في الاونة الاخيرة صار من السهل أن يصبح المرء مؤثرا بدون تقديم أي محتوى حتى فقط القليل من الصور وجه خال من البثور والتجاعيد بفضل facetune جسد رشيق و رياضي بواسطة فوتوشوب و الاضاءة المعدلة لتتغير المفاهيم و يصير هدف العديد هو الظفر بحياة مثالية مثل المؤثرين . كاس شامبانيا او نبيذ احمر في قمة برج ايفيل ملابس اسعارها قد تطعم عائلتين في افريقيا قصة حب مجنونة 10 رحلات سنوية و 5 سيارات و لكن السؤال الذي يطرح نفسه ألا يبدو الامر مبالغ فيه هل يعقل لإنسان عادي العيش بمثل طريقة هل اصبح النمط العادي مرفوض هل بإمكان مجموعة من المؤثرين عديمي المحتوى والأفكار المغيرة أن يعبثوا بذهن العامة
يبدو من غير المنطقي أن نتحدث عن انتشار ثقافة الاستهلاك المبالغ فيه على ايدي المؤثرين و لكن من العقلاني ان نتطرق لهذا الموضوع ففي الصور اللامتناهية للمؤثرين تختلف الثياب و المنتجات يقومون يوميا باعلانات يمدحون فيها السلع المعروضة و يقع المشاهدون تحت سحر كلماتهم لترى الطوابير الطويلة في المحلات .
7 . تعميم التفاهة
يبدو عالمنا المعاصر غارقا في التفاهة في جملة من الأخبار التي لا تسمن ولا تغني من جوع و لكنها كالأفيون أصبحت تخدرنا يجعلنا عبيدا لها فلم تعد الثقافة تتخذ حيزا هاما في حياتنا هل بإمكان المجتمع ان يتناسى همومه و فقره المدقع جراء خبر طلاق أحد الوجوه التلفزيونية البارزة .
-
امراض العصر الاكتئاب والتوتر
يبدو حاضرنا حاضر ياس لا محالة يغرق الجميع اليوم في المقارنات الغير مبررة و جلد الذات المتواصل ليحبط المرء نفسه و يتحسر على حياة لا يمكنه توفيرها . ننغلق على ذواتنا و ننعزل لربما نرسل بعضا من الارسالات القصيرة و لكننا نتخبط في وحدتنا فلم نعد نستمتع بالنزهات وقت المغرب على الشاطىء و لا نقضي اليوم دون تصفح عاتقنا و اصبح العشاء العائلي مضرجا والحديث وجها الى وجه شبه عسير . هذا الجيل الجديد مستعد ليرتكب أكبر الحماقات ليحصل على القليل من الليكات و الشهرة و غدت الأرقام اليوم دليلا على حنكة وحكمة أحدهم
- إذا بدا لك هذا المقال ايها القارىء متغلغلا في السلبية لا محالة فذلك يعود لسبب واحد و هو اصرارك على رؤية الأشياء من منظور واحد فلسفة اما الابيض او الاسود لا الاعتدال . التحذير الدائم من مخاطر الـ social media ضروري في عصر كعصرنا الحديث المتواصل عن العالم الافتراضي و الذكاء الاصطناعي حديث يشمل الجميع و يجمع بين الخبير و المبتدأ .